
شهدت المملكة العربية السعودية تطوراً استثنائياً في منظومتها القضائية مع إقرار لائحة جديدة للأحوال الشخصية، حيث أعلن الديوان الملكي موافقة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على اللائحة التنفيذية المكونة من 41 مادة، والتي دخلت حيز التنفيذ اعتباراً من يوم الجمعة.
تمثل هذه اللائحة نقطة تحول محورية في تاريخ التشريعات السعودية، حيث تضمنت مجموعة شاملة من الأحكام التي تنظم العلاقات الأسرية وتحمي حقوق جميع أفراد المجتمع.
من أبرز ما جاء في اللائحة تحديد سن الزواج بثمانية عشر عاماً، مع وضع ضوابط دقيقة للحالات الاستثنائية التي تتطلب إذناً خاصاً.
وفيما يتعلق بحقوق المرأة، أرست اللائحة قواعد جديدة تضمن حمايتها وتعزز مكانتها في المجتمع.
فقد منحتها الحق في فسخ عقد الزواج بإرادة منفردة في حالات محددة، كما أكدت على حقها في النفقة وأقرت حمايتها.
وفي خطوة تقدمية، نصت اللائحة على أن إثبات العضل لا يتطلب وجود خاطب، وأن الحكم يمتد ليشمل باقي المعضولات من نفس الولي.
وفيما يخص الحضانة والنفقة، جاءت اللائحة بتنظيم دقيق يراعي مصلحة الأطفال في المقام الأول.
فقد أقرت أن الأم تحتفظ بحضانة طفلها حتى سن العامين حتى لو تزوجت من شخص آخر، كما وضعت معايير واضحة لتحديد النفقة وآليات تسليمها للحاضن.
ومن الجوانب المهمة التي تناولتها اللائحة تنظيم عملية توثيق الزواج لغير المسلمين، حيث أجازت توثيق عقود زواجهم بغض النظر عن اختلاف جنسياتهم، وذلك وفقاً لأحكام نظام التوثيق المعتمد.
وفي سياق التطور التقني، أدخلت اللائحة تسهيلات جديدة تتعلق بالخدمات الإلكترونية، حيث أتاحت للحاضن متابعة مصالح المحضون عبر المنصات الرقمية وتسلم الإعانات والمكافآت المخصصة له من مختلف الجهات.
تأتي هذه اللائحة ضمن حزمة من الإصلاحات التشريعية الشاملة التي أعلن عنها ولي العهد في فبراير 2021، والتي تشمل أيضاً أنظمة المعاملات المدنية والعقوبات التعزيرية والإثبات.
وتهدف هذه المنظومة المتكاملة إلى تعزيز الشفافية في الأحكام القضائية وضمان العدالة وحماية حقوق جميع أفراد المجتمع.
وقد أكد ولي العهد أن هذه التشريعات تستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، مع مراعاة أحدث التوجهات القانونية والممارسات القضائية العالمية.
كما أنها تأتي استجابة لمتطلبات العصر واحتياجات المجتمع المتجددة، وتهدف إلى تعزيز استقرار الأسرة وحمايتها باعتبارها اللبنة الأساسية في بناء المجتمع.
وتضمنت اللائحة تفاصيل دقيقة حول إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، حيث منحت المحاكم صلاحيات واضحة في التعامل مع قضايا الزواج والطلاق والحضانة، مع وضع ضوابط محددة للسلطة التقديرية للقضاة لضمان توحيد الأحكام وتحقيق العدالة.
كما تناولت اللائحة بشكل مفصل مسألة تعيين الحكمين في حالات الشقاق بين الزوجين، ووضعت آليات واضحة لعملهم وصلاحياتهم في محاولة الإصلاح أو التوصية بالتفريق، مع تحديد معايير دقيقة لتقدير التعويضات المالية في حالات فسخ عقد الزواج.